إن الإشكال المركزي من هذا البحث يتمحور حول غياب الحقائق بأندونيسيا في شتى مجالاتها وخاصة في تطور مجال الوسائل الإعلامية والاتصالية التي تقوم بها حياة المجتمع حاليا. فالمجتمع الحاضر ينظر بعضهم بعضا عن طريق النظر إلى الصورة الظاهرة المتجلية في فيسبوك ويوتوب وغيرهما من وسائل التواصل الاجتماعي الإنترنيتي. ومن ثَمَّ فلا شيء في الواقع العياني إلا ما ظهر من الصور التي استبدلت مكانة اللقاء المباشر بين أفراد المجتمع، وهذه الظاهرة تؤدي إلى أن تصير الصورة تجزيئيةً وسطحيةً حتى لا تقتصر الصورة من الشيء المصوَّر إلا ويكون بعضا من الواقع نفسه، ولكن مع ذلك فإن الصورة الضئيلة لاتصل إلى الهياكل التكاملية التي تحيط بجميع العناصر الواقعية بحيث يتفاوت ناظر الصور في ذهنه بين الصواب والخطأ. ولا جرم أن هذه القضية تلتمس تماما بالثورة الصناعية في الإعلامية والإتصالية اللاتين تجريان مجرى التعايش اليومي. ويستفيد السياسيون من الإعلامية والاتصالية بوصفها قوةً جاذبية في طلب الجاه والمحافظة عليه فيتلاعبون بها بتسييس الدين عن طريق وضع بعض نصوصه المقدسة في مثل الصور التجزيئية في الشبكات الإنترنيتية التي حملوها في حركتهم السياسية لنيل السلطة السياسية. وأخذ بعض النُّظار إلى الصورة التجزيئية بالمشاعر العاطفية من دون تحقيق الأخبار المشكوكة. وانطلاقا من هذه الظاهرة، استخدم الباحث نظرية طه عبد الرحمن لتدقيق بحثه، بحيث أن هناك عاملين داعيين إلى شهوة النظر في الإعلامية والاتصالية: أحدهما، شهوة الجنس التي تجعل الناظر يستمتع بنظره إلى الصور استمتاع المتلصص بالنظر إلى المصورات، بل الاستمتاع الذي به ينال شهوته ويقضي وطره منه؛ وثانيهما، شهوة البطش التي تجعل الناظر ينقل العنف الذي تمارسه شاشات الإنترنيت، شكلا ومضمونا، فيتعامل به مع الآخرين، فيؤذيهم كما يؤذيه عن طريق هجوم الصور، وينزع عنهم إنسانيتهم كما ينزعون عنه إنسانيته من أجل قسوة المضامين التي تحملها هذه الصور. وعلى الجملة، فهذا الأمر كله يدل على بعض خواطر المظاهر في عصر ما بعد الحقيقة (post-truth era) من أهل الأرض الذين يعيشون في السياسة الزائفة.
Copyrights © 2021