لا ريب أنَّ العرب قبل ظهور الإسلام كان لهم حضارة عريقة ، تمثّلت بحضارة وادي الرافدين في العراق وحضارة وادي النيل في مصر فضلاً عن الممالك والدويلات العربية التي ظهرت في عموم شبه الجزيرة العربية والعراق وبلاد الشام ، وكانوا يتميزون بالعديد من الصفات التي اهّلتهم لحمل رسالة السماء قال تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } "آل عمران الآية 110" ، ورغم ذلك وصف الله سبحانه وتعالى ، بعض سلوكيات العرب ، بالجاهلية ، والجاهلية هنا لا تعني الجهل الذي يخالف العلم ، بل الجهل بأحكام السماء ، إذ كانوا يعبدون الأصنام والأوثان ، وكان ظهور الإسلام في جزيرة العرب واعتناق الكثيرين منهم له ، قد وضع لهم برنامجاً واسعاً للإصلاح ، تناول جوانب المجتمع العربي قاطبةً ، من أجل ايجاد المجتمع الصالح الذي يسعد فيه الناس جميعاً ، والعرب بدورهم كانوا دعاة الإسلام ، ومن الجوانب التي أثّر الإسلام في فكر الانسان العربي ، والتي ستكون مدار بحثنا هذا هي :أثر الإسلام في الفكر العربي في النواحي الدينية والاجتماعية والأخلاقية ، التي تمثلت بنبذ عبادة الاصنام والأوثان والدعوة إلى التوحيد ، فضلاً عن الحدود والقصاص ، والمعاملات فيما بين الناس ، كما ركّز الإسلام على مبدأ العمل ، والكسب الحلال ، كما جعل دفع الزكاة ركناً من أركان الإسلام الخمسة ، وبها تُطَهّر نفوس الأغنياء من البخل والشح وفيها تتجلّى مواساتهم لإخوانهم الفقراء ، وحرّم الربا الذي لا يقلّ خطورة عن السرقة، ونظّم الميراث الذي يقضي بتوزيع تركة المتوفى بين عدد من افراد أسرته ، ليحول دون تضخم الثروات في أيدي قليلة مما يثير حفيظة الرجل الواحد ، إذ كانت المرأة في الجاهلية محرومة من إرث أبيها ، وحارب الاستغلال والاسراف ، من خلال مراقبة عمّال الدولة من استغلال نفوذهم ومناصبهم ، كما ناقش البحث ، أثر الإسلام في الفكر العربي من الناحية الأدبية والعلمية ، إذ خاطب الإسلام العقل البشري وحثّهُ على طلب العلم والتعلّم والتفكر والتأمّل والتدبّر ، للوصول إلى شواطئ المعرفة ومراسي العلم ، في آيات عديدة منها قوله تعالى: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} " العلق ، الآيات 1-5" ، كما اثّر الإسلام في الفكر العربي من الناحية السياسية ، إذ كانت أمّة العرب قبل الإسلام مجزأة يعيش معظمها تحت وطأة الاستعمار البيزنطي والفارسي ، وجاء الإسلام فجمع قبائل العرب تحت لوائه ، وألّفَ بين قلوبهم ، وقضى على العصبية القبلية فخضعوا لحكم الرسول محمد ( صلّى الله عليه وسلّم)، إذ أصدر وثيقة المدينة المنورة لتنظم العلاقة بين العرب ذاتهم من جهة وبين اليهود والعرب من جهة أخرى ، وقد اشعرت هذه الوثيقة العرب لأوّل مرّة في تاريخهم انّهم تحت ظلِّ حكومة واحدة ، ويعدُّ اصدارها تطوراً كبيراً في مفاهيم السياسة عند العرب ، ولكن هذا التطور في عقلية العرب ومبادئهم لم يتم بسهولة ، ولا من نتاج عمل يوم وليلة ، بل لاقى الرسول الكريم محمد (صلّى الله عليه وسلّم ) وأصحابه الكرام ، صعوبات كبرى لأجل نقل العرب من عقليتهم الجاهلية التي كان يحكمها الأحبار والرهبان والكهنة ، إلى عقليتهم الإسلامية ، إذ تحمّلوا القتل والتشريد والتعذيب على أيدي المشركين من أبناء جلدتهم. وقد أصبحت بلاد العرب بعد انتشار الإسلام تجمعها عقيدة واحدة قائمة على أنَّ السلطة الحاكمة العليا هي الله ، كما انّها لا تميل إلى فرد أو جماعة قال تعالى} : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } "النساء: الآية 59" كما ظهر بين العرب شعور بالوحدة والأخوّة ، مما ساعد على قيام الدولة العربية الإسلامية على أساس الوحدة الدينية والسياسية ، واصبح من أقدس أهدافها تبليغ الدعوة الإسلامية إلى العالم أجمع.لذلك كان العرب دعاة الإسلام ، فما أن انتهى القرن الأول الهجري حتى بسطت الدولة العربية الإسلامية نفوذها من جنوب فرنسا مروراً بالوطن العربي وبلاد فارس وبلاد ما وراء النهر وبلاد السند والهند حتى حدود الصين ، إذ امتزجت خلالها العقائد والنظم الاجتماعية والآراء العقلية والعقائد الدينية بين امّة العرب والأمم المفتوحة من خلال أمور عدّة كان أولها تعاليم الإسلام السمحاء.
Copyrights © 2022